قبل دخول موسم قطاف الزيتون في ليبيا هذا العام، استعد إسماعيل الرحيبي وأربعة من رفاقه الشباب مثل ما اعتادوا كل عام عبر تجهيز عدتهم للسفر إلى مناطق تكثر فيها أراضي زراعة الزيتون والتمور، من أجل الاتفاق مع أصحابها على العمل في حصد محاصيلها مقابل الحصول على جزء من المحصول أو على مبالغ مالية تشكل مداخيل معقولة لهم.
ينطلق الرحيبي ورفاقه الأربعة من مدينة الرحيبات الجبلية (غرب) التي يتحدرون منها، ويقصدون مناطق عدة، بينها الجفرة (جنوب غرب) التي تشتهر بالتمور، وترهونة التي تبعد مسافة أكثر من 200 كيلومتر عن مدينتهم وتشتهر بزراعة أشجار الزيتون، حيث قد يعملون نحو ثلاثة أسابيع.
وفي كل من منطقتي الجفرة وترهونة، تنتهز عشرات الأسر فرص مواسم الزيتون والتمور للحصول على موارد إضافية تساعد في مواجهة الظروف الاقتصادية الخانقة في ليبيا. وقد تستثمر بعض الأسر في موسم التمور بمناطق أوجلة وجالو (جنوب شرق)، وهو ما تفعله أسرة عبد المنعم الفاخري التي تسافر من أجدابيا إلى أوجلة وجالو بعد الاتفاق مع أصحاب المزارع.
وتحصي منظمة الأغذية والزراعة "فاو" التابعة للأمم المتحدة وجود 8 ملايين شجرة زيتون في ليبيا، ما يجعلها تحتل المرتبة الـ11 عالمياً في إنتاج زيت الزيتون، في حين تفيد تقارير لوزارة الزراعة الليبية بأن البلاد تضم 9 ملايين نخلة تنتج أكثر من 300 صنف من التمور.
لكن الرحيبي يبدي،اعتقاده بأن هذه الأرقام تستند إلى إحصاءات قديمة: "فغالبية المناطق الداخلية، ومنها منطقتي، تتاخمها مشاريع كبيرة أنشأتها الدولة سابقاً لزراعة الزيتون والنخيل، لكن الواقع الحالي يشير إلى أن هذه المشاريع شارفت على أن تكون من الماضي، بسبب إهمال السلطات لها، وموت آلاف الأشجار فيها".
ويسأل: "لو كانت هذه المشاريع منظمة، لما اضطررنا أصلا إلى العمل بعيداً عن مناطقنا، وربما كنا سنحصل على وظائف رسمية ودائمة في هذه المشاريع، فنستثمر فيها خبراتنا في الزراعة، ونستفيد منها بدلاً من البحث عن فرص عمل بأي طريقة كانت لدعم أوضاعنا المعيشية".
يضيف الرحيبي الذي يعمل في قطاع التعليم: "بالنسبة لي، أستطيع أخذ إجازة من وظيفتي لأنني لست معلماً بل موظفاً إدارياً في مدرسة، ما يعني أنه يمكن الاستغناء عن خدماتي لفترة محددة في بداية العام الدراسي الذي يتزامن مع موسم جني المحاصيل. وأنا ورفاقي مضطرون إلى مواكبة فرص العمل الزراعية المتوفرة في أي مكان، بسبب عدم كفاية رواتبنا للتعامل مع غلاء المعيشة".
ويتحدث الرحيبي عن رغبته في الإفادة من المواسم الأخرى التي تتوزع على مدار العام: "فما أحصل عليه من موسم جني الزيتون والتمور يوفر لي قدرة مالية لدعم أسرتي ثلاثة أو أربعة أشهر كحد أقصى. وهناك مواسم أخرى تتعلق على سبيل المثال بجمع الترفاس (الكمأ) الذي يبدأ مع بدء هطول الأمطار، وأنا أرغب في الإفادة من هذا الموسم تحديداً وتعلم كيفية جمع هذه الثمار، لأنه يدر مبالغ كبيرة ويساعدني في مواصلة مقاومة ظروف الحياة الصعبة". ويؤكد أن "إقبال الشباب على الإفادة من العمل في مواسم جني المحاصيل الزراعية الوطنية بات كبيراً حالياً، وغيّر واقع سهولة الحصول على فرص عمل في السنوات الماضية، ما يضطرنا إلى الاتفاق مبكراً مع أصحاب المزارع، أي قبل دخول الموسم".
ولا تختلف دوافع الفاخري عن تلك للرحيبي ورفاقه، ما يعكس إقبال الأسر الليبية على البحث عن مصادر رزق مختلفة لدعم مداخيلها الأساسية. ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن إقبال الأسر على الإفادة من مواسم جني الثمار بات واضحاً أيضاً".
يضيف: "في البداية، دفعت ابني الأكبر إلى العمل في موسم جني التمور لدى معارف لدينا في منطقة جالو، وبسبب المردود المادي الجيد ووفرة العمل، التحقت كل أسرتي بالعمل، باعتباره فرصة لتطوير صناعات أخرى مثل الرب المصنوع من التمور، وأيضاً من أجل بيع التمور بكميات كبيرة لشركات تعمد إلى تغليفه وتوزيعه في الأسواق".
ويستند الفاخري إلى خبرته في العمل في هذا المجال، فهو بدأ في العمل على أصناف تمور معينة ذات جودة عالية وتلقى إقبالاً من الشركات التي تعمل في المجال. ويقول: "كانت فرص العمل صغيرة في البداية، ثم طورناها تدريجاً عبر التركيز على أنواع التمور الجيدة، وهو ما أكسبنا مردوداً مادياً مناسباً، ووفر أكثر من فرصة عمل لأولادي".
تعليق