تشهد الساحة الليبية تطورات متسارعة، في أعقاب قرار مجلس النواب، الثلاثاء الماضي، وقف رئيس الحكومة المكلفة من المجلس فتحي باشاغا، وإحالته إلى التحقيق، وتكليف وزير المالية في الحكومة ذاتها أسامة حماد بمهام رئاسة الحكومة.
وكشفت مصادر مصرية قريبة الصلة بـ"اللجنة الوطنية المعنية بمتابعة الملف الليبي" أن القاهرة "أرسلت وفدين أمنيين، أحدهما إلى شرق ليبيا والآخر إلى غربها، في محاولة لاحتواء تطورات الأزمة الليبية، بما يحفظ المصالح المصرية، والتأكيد على الدور المصري بالساحة الليبية".
وقال أحد المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن "وفداً أمنياً رفيع المستوى، قاده الرئيس التنفيذي للجنة الوطنية المعنية بالملف الليبي، زار قائد قوات شرق ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في مقر قيادة قواته بمنطقة الرجمة، الأحد الماضي، وذلك بعد وصول معلومات إلى القاهرة، بشأن خلافات بين حفتر وباشاغا، تبعتها تحركات من جانب الأول للإطاحة بالأخير".
وقال المصدر إن "تحركات حفتر الأخيرة جاءت بعد ترتيبات ترعاها دولة الإمارات، في إطار تشكيل حكومة موحدة، تقوم بالتجهيز للانتخابات الرئاسية التشريعية في ليبيا".
إدخال تعديلات على حكومة الدبيبة
وأوضح أن "الاتفاق الذي ترعاه الإمارات، ويقوم على التنسيق بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وحفتر، يقضي بإدخال الدبيبة تعديلات موسعة على حكومته، تشمل ضم مجموعة من الوزراء، ونائب لرئيس الحكومة، من ترشيح قائد قوات شرق ليبيا، على أن يستتبع ذلك السماح للحكومة بممارسة مهامها في مناطق شرق ليبيا، الواقعة تحت سيطرة حفتر".
وكشف المصدر أن "الفترة الراهنة تشهد توتراً في العلاقات بين حفتر والقاهرة، بعدما استهدفت مصر شحنة أسلحة ووقود، كانت موجهة من شرق ليبيا، تحت حماية قوات حفتر، إلى قوات الدعم السريع في السودان".
ولفت إلى أن القاهرة "تمكنت من استهداف ووقف القافلة، عند المثلث الحدودي الجنوبي، بين مصر والسودان وليبيا، وهو ما أثار حفيظة حفتر، الذي بدا منخرطاً بشكل أكبر خلال الفترة الأخيرة في تحركات تتعارض بدرجة ما مع مصالح مصر".
تطورات إيجابية بين القاهرة وحكومة الدبيبة
وفي السياق، قال مصدر مصري آخر مطلع على أعمال "اللجنة الوطنية المعنية بمتابعة الملف الليبي"، لـ"العربي الجديد"، إن الأيام الماضية "شهدت تطورات إيجابية على صعيد العلاقات بين القاهرة وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة"، مرجعاً ذلك إلى "التقارب المصري التركي الأخير".
وأوضح المصدر أن الفترة الأخيرة "شهدت اتصالات بين القاهرة وممثلين للدبيبة، بينهم أطراف عسكرية وأمنية، انتهت بإرسال مصر وفد أمني رفيع المستوى إلى غرب ليبيا، بالتزامن مع الوفد الذي زار شرق البلاد، حيث التقى الوفد بعدد من المسؤولين هناك، بينهم وزير الداخلية عماد الطرابلسي".
من جهته، رأى الباحث في "المركز العربي"، ومدير تحرير مجلة "سياسات عربية"، أحمد قاسم حسين، أن هناك "جملة من الأسباب قادت إلى حالة من الصدام بين عقيلة صالح وباشاغا، منها الإخفاق العسكري الذي تمثل في فشل باشاغا بدخول طرابلس، وتصدير نفسه على اعتباره القادر على إدارة البلاد لما يتمتع به من شعبية كبيرة في مدينته مصراته، ذات الثقل السياسي والعسكري في ليبيا".
وقال حسين في حديث لـ"العربي الجديد": "كان باشاغا بمثابة حصان طروادة الذي بني عليه المعسكر الشرقي في ليبيا، ممثلاً بمجلس النواب وخليفة حفتر، في دخول طرابلس، وخلق جسم سياسي جديد قادر على إزاحة حكومة الدبيبة، ما يمهد لخلق واقع جديد يطوي معه الاتفاقات السياسية السابقة (اتفاق الصخيرات) وما تفرع عنه من أجسام سياسية (الحكومة، والمجلس الرئاسي، والمجلس الأعلى للدولة)".
فشل باشاغا في إدارة القضايا الاقتصادية والمالية
وأضاف حسين أن "أحد الأسباب الأخرى التي أدت إلى حالة الصدام هي تعارض الإرادات، إذ فشل باشاغا في إدارة القضايا الاقتصادية والمالية التي لطالما حاول عقيلة صالح، ومن خلفه خليفة حفتر، التحكم بها، حيث كانت الحكومة السابقة التابعة لمجلس النواب (حكومة عبد الله الثني) مجرد جسم بيروقراطي إداري يشرف على إدارة المؤسسات في المنطقة الشرقية، من دون أن يكون لها أي أدوار سياسية فاعلة ومؤثرة، وهو ما خلق حالة من تصادم الإرادات بين باشاغا، الطامح إلى أن يكون الرقم الصعب في المعادلة السياسية الليبية، وحفتر الطامح إلى حكم البلاد".
وتابع الباحث السياسي أن "المصالحة في الإقليم هي أحد الأسباب الأخرى. فهناك انفراج بالعلاقات بين القوى الفاعلة في الإقليم، ما خفف من حالة الاستقطاب في ليبيا بين المعسكرين الشرقي والغربي، خصوصاً أن طي صفحة الخلاف المصري التركي كان لها بالغ الأثر على اختفاء أصوات المدافع في ليبيا، إضافة إلى أن باشاغا راهن في المرحلة الأولى من توليه رئاسة الحكومة على إحداث تغيير في مواقف القوى الإقليمية، على أن يكون هو رئيس الحكومة الشرعي، وهو ما أخفق به، إذ ما تزال معظم الدول ذات التأثير في الشأن الليبي تركن إلى اتفاق الصخيرات، الموقع في ديسمبر/ كانون الأول 2015 في المغرب، والأجسام السياسية التي تشكلت على أثره".
وأشار حسين إلى "تراجع حدة التنافس الفرنسي الإيطالي، إذ قادت الحرب الدائرة في أوكرانيا، وأزمة الطاقة التي خلفتها تلك الحرب، إلى إعادة ترتيب دول الاتحاد الأوروبي أولوياتها الاستراتيجية في التعامل مع الخطر الداهم من الشرق، ومعها انتقلت الأزمة الليبية إلى درجة ثانية أو ثالثة على سلم الأولويات لعدد من الدول الأوروبية، خصوصاً فرنسا وإيطاليا".
إشكالية باختيار باشاغا
من جهته، قال مدير المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، شريف عبد الله، إن "هناك إشكالية في اختيار فتحي باشاغا من الأساس، فاختيار حكومة موازية لحكومة طرابلس، واتخاذ القرار من مجلس النواب، كان فيه نوع من التعجل والعشوائية".
ولفت عبد الله، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "ما حدث من إقالة لفتحي باشاغا كان أمراً متوقعاً، بل ومتأخراً نسبياً، فمع الأسف هذه الحكومة وُلدت ميتة، وأظن أن التقارب المصري التركي له دور كبير في الاستقرار على حكومة الوحدة الوطنية، ومن مصلحة مصر الاستقرار الدائم في ليبيا".
وأضاف عبد الله: "يمكن القول إن حكومة الوحدة الوطنية نجحت بشكل ما في حلحلة معظم الملفات مع المنطقة الشرقية وخليفة حفتر، وكذلك في حلحلة بعض القضايا مع مجلس النواب والسياسيين في المنطقة الشرقية، وفي الدخول في مفاوضات جيدة مع الدول الفاعلة في المنطقة، إيطاليا وفرنسا ومصر، ونجحت في توقيع عقود مع الجانب المصري، ودخلت الشركات المصرية الآن إلى طرابلس".
تعليق