استطاع مسلسل «شط الحرية» في ليبيا، أن ينقل الجدل الدائر في أروقة السياسة، ودهاليز المؤسسات المختلفة إلى شاشة التلفزيون، من خلال تجسيد واقع مأزوم يلفت إليه الانتباه بقدر من السخرية الممزوجة بالكوميديا.
والمسلسل،تمكن في نسخته الخامسة، رغم محدودية أدواته الإنتاجية من اجتذاب شرائح عديدة من المشاهدين، بمختلف طبقاتهم الثقافية والآيديولوجية، لكن مع بث حلقته الـ14، انتقل بعضهم من خانة المعجبين به إلى خانة الرافضين له، بل والهجوم الحاد عليه وعلى مموليه، بعدما طالتهم سهامه اللاذعة.
يدور «شط الحرية» في أجواء بدوية، تعكس بعض جوانب من الحياة اليومية للمواطنين، لا تخلو من تسليط الضوء على الواقع المعاش بكل مشاكله الاجتماعية، غير أن ذلك لم يمنع مؤلف المسلسل فتحي القابسي، من الاعتذار للجمهور، لإطلاق اسم «الدحداح» على كلب، وهو ما اعتبره مشاهدون إساءة للصحابي الجليل ثابت بن الدحداح.
وقال القابسي، فور إذاعة هذه الحلقة، في تسجيل مصور، إنه «لم يكن يعلم أن هناك صاحبياً يحمل هذا الاسم، وهذا خطأ غير مقصود»، متابعاً: «قد يكون هذا قصوراً أو قلة معرفة، كل هذا نقبله بكل رحابة صدر، ولكن لا يمكن لأي شخص أن يفكر ولو بواحد في المائة، أن هذا الأمر مقصود».
ووجه القابسي، حديثه لمتابعي المسلسل بعدم «تصديق كلام المغرضين والحاسدين الذين من شدة كرههم للعمل، يؤولون الحلقات كما يرونها هم، ويذهبون بها في مناطق خطرة، ويتصيدون لنا الأخطاء».
ويضم المسلسل كوكبة من الفنانين الليبيين الذين يتحدثون اللهجة «البرقاوية» (شرق ليبيا) من بينهم عبد الباسط الفالح وسليمان اللويطي وعبد الهادي بوخريم، وإبراهيم منصور وخالد إبريك، ومن إخراج علي العروشي.
ويحمل المسلسل إسقاطات سياسية على قرارات اتخذتها حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، وهو ما عزاه ليبيون إلى كون صناع العمل ينتمون إلى شرق البلاد. وتحمل كل حلقة من المسلسل، اسماً مختلفاً، مثل «معيز الحول» و«بوسالمين» و«الفلكس»، بالإضافة إلى «الموسوسات» أو «المؤسسات» وهي الحلقة رقم 14 التي وُجهت فيها اتهامات لمؤسسات المجتمع المدني في ليبيا بأنه أداة للتطبيع مع إسرائيل، ورفض طارق لملوم، رئيس «منظمة بلادي لحقوق الإنسان» في ليبيا، هذه الاتهامات، وقال إن «مخرج العمل تعمد أن يُخرج شكل مؤسسات المجتمع المدني في ليبيا أنها تعمل لصالح إسرائيل وأنها عميلة وتتلقى السيارات والأموال».
وقال بشير عمر القانوني الليبي، إنه «من الخطأ جمع مؤسسات المجتمع المدني كافة ووضعها في سلة واحدة»، متابعاً: «لا شك في أن عدداً غير قليل منها يمارس العمالة والاسترزاق غير المشروع، وفي الوقت نفسه هناك مؤسسات منضبطة ترأسها شخصيات في قمة الوطنية والنزاهة وتقوم بدورها الذي أنشئت من أجله على الوجه الأكمل».
وانتهى القانوني الليبي إلى أن «مؤلف مسلسل شط الحرية أخطأ بتعميمه، كما أن المدافعين عن مؤسسات المجتمع المدني أخطأوا هم أيضاً في دفاعهم المستميت عن كل مؤسسات المجتمع المدني دون أن يعترفوا بوجود اختراق وقصور وانحراف لبعضها». وسعت «الشرق الأوسط» إلى التواصل مع مؤلف العمل، فلم تتلق رداً، فيما امتنع غالبية صناعه عن الرد أيضاً.
وتتنوع القضايا التي يتناولها المسلسل، ففي إحدى حلقاته تم الإسقاط على ما يعتقده صناع العمل بتدخل السفراء في الشأن الليبي، كما تناول كيف أقبل صغار السن على المسارعة بالزواج للاستفادة بمنحة الزواج التي قدمتها حكومة «الوحدة» بطرابلس.
وقال مفتاح بوعجاج الكاتب الليبي، إن إعجابنا بمسلسل «شط الحرية» لا يمنعنا من نقده، فالنقد الموضوعي الهادف يقول عنه العارفون إنه «نوع وشكل آخر من المحبّة والإعجاب».
وذهب بوعجاج إلى أن الحلقة التي تناولت المُجتمع المدني «قد تُعطي فكرة خاطئة عن دوره الضروري في التوعية بحقوق المجتمع والتأسيس الصحيح»، ورأى أن «فكرة المجتمع المدني قد تشوّهت نتيجة لممارسات وسلوك واستفزاز بعضها وقفزها على حاجات الواقع خلال هذه المرحلة الانتقالية الطويلة؛ ورغم ذلك لا يجوز التعميم». وقال إن منظمات المجتمع المدني «الوطنية» في وقت وظروف خلال المراحل الانتقالية قد تكون أهم وأكثر فائدة من الأحزاب التي تأسست من دون دستور ولا قيود ولا قوانين تنظّم تمويلها وتأسيسها».
تعليق