هل تطاول الأزمة السودانية ليبيا لتزيد من حدة الفوضى في البلاد؟ سؤال متداول بشكل واسع في جميع الأوساط، الليبية منها وغير الليبية، وكان من الممكن جداً خفض حدة المخاوف التي لا تزال تثير هذه السؤال، إذا أصدر اللواء المتقاعد خليفة حفتر قراراً بإقفال حدود البلاد مع السودان، لأنه يسيطر عليها.
الموقف الوحيد الذي اتخذه حفتر حيال ما يدور في السودان هو نفي علاقته به، وتحديداً تقديمه دعماً عسكرياً لحليفه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي". وإذا كان هذا النفي صحيحاً، فلماذا ترك الحدود مفتوحة أمام فوضى مسلحة لا يمكن التكهن حتى بأحداثها القريبة، فضلاً عن تداعياتها على المدى الطويل.
مستجدات الأوضاع قد تكشف عن معطيات يمكن أن تشكل جواباً جزئياً، وتتعلق بخفض أعداد مسلحي مليشيات حفتر في الكفرة، بعد أن نقلوا عتاداً عسكرياً من مطارها باتجاه الحدود مع السودان على الأرجح.
وانتقل أفراد تلك المليشيات للانتشار في المساحة الفاصلة بين الكفرة والحدود مع تشاد، لتحصر حركة التنقل فقط في بوابة تعرف باسم عين كازيط، الواقعة على بعد أقل من مائة كيلومتر من الحدود مع السودان.
وما يمكن بناؤه على تلك المعطيات، يظهر احتمالين، الأول أن حفتر راغب في إبقاء الحدود مفتوحة لنقل المزيد من الإمدادات العسكرية لحميدتي، وبالتالي يحصر الحركة وينظمها من بوابة عين كازيط. الاحتمال الثاني وهو أن أحداث السودان كشفت عن حقيقة عدم سيطرة حفتر على الحدود، خصوصاً أن مجموعات الجنجويد التي تنتشر في الجنوب الشرقي لليبيا لن تسمح بذلك.
فإقفال الحدود سيقطع صلة هذه المجموعات بالأحداث وحميدتي، وبالتالي يمنع نقل أي دعم لوجستي لساحات القتال، وأقله الوقود الليبي رخيص الثمن وسهل النقل عبر فضاءات الصحراء المفتوحة. ويبدو أن الاحتمال الثاني أقرب، وسيزيد الأمر وضوحاً إذا وردت تحذيرات غربية لحفتر بوقف دعمه لحميدتي.
يبدو أن تداعيات اشتباكات السودان ستتجاوز التأثير على أوضاع الجنوب الليبي أمنياً، لتمتد إلى اعتبارات سياسية، إذ إن ارتباطات خليفة حفتر بحميدتي ستظل تلاحقه حتى ولو أقنع الرأي العام بعدم صحة الأنباء المتعلقة بدعمه العسكري له. والصراع الحالي في السودان قضى على أمل حلحلة ملف إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا، ومنهم الجنجويد الذين يمكن أن يشكلوا قاطرة لانتقال جزء من الصراع السوداني إلى الجنوب الليبي.
وحفتر بات في حرج سياسي كبير، على وقع ازدياد الضغوط عليه للمفاضلة في خياراته بين موسكو والقاهرة، الواقعتين على ضفتين متقابلتين في الصراع السوداني.
تعليق