تتصاعد في ليبيا هذه الأيام، اتهامات موجهة إلى "دول مجاورة" بالسعي لـ"إفشال المسار الانتخابي، وتوجيه دفة السياسة على نحو يخدم بعض الأطراف الفاعلة" في البلاد، وسط تساؤلات عما قد تمثله زيارة أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركية، إلى القاهرة (الأحد) من تحريك لهذا الملف.
يأتي ذلك في حين تدفع أطراف إقليمية ودولية، بالإضافة إلى جهود الأمم المتحدة، باتجاه توفير الظروف الملائمة لإنجاز هذا الاستحقاق، لكن يظل هذا الملف تتهدده تباينات الرؤى واختلاف الآيديولوجيات بين جبهتي غرب ليبيا وشرقها.
ومن المقرر أن يلتقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بلينكن، في القاهرة، (الأحد) للبحث في عديد القضايا الإقليمية، من بينها الأوضاع في ليبيا، في ظل ما أدرجه بيان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس بـ"التشاور مع الشركاء حول مجموعة من الأولويات العالمية والإقليمية".
وعلى الرغم من إشارة أطياف ليبية عديدة بأصابع الاتهام لـ"التدخلات الخارجية" بالتسبب في "إفساد المشهد السياسي" راهناً، فإن هناك من يعلّق آمالاً عريضة على "الدور الخارجي" أيضاً في "إجبار الأطراف النافذة والمتصارعة" على التوصل إلى حل سريع ينتهي بتحريك "قطار الانتخابات" وفق مواعيد محددة.
ويرى مطلعون على الملف الليبي، أن "مفتاح حل الأزمة، بقدر ما هو في يد الليبيين أنفسهم، إلا أن القوى الإقليمية والدولية، ستظل مؤثرة بما تملكه من أوراق ضغط على بعض الأطراف الداخلية"، مشيرين إلى أن تهديدات مجلس الأمن الدولي بـ"معاقبة معرقلي الحل السياسي لم تفعّل بعد، وإذا أعيد النظر فيها سيكون هناك حديث آخر".
ولفتوا إلى زيارة رئيس جهاز الاستخبارات التركي، هاكان فيدان، الأخيرة إلى طرابلس، وقدرته على جمع المشري وعبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة المؤقتة، في لقاء واحد رغم خصامهما. وهي الزيارة التي جاءت في أعقاب زيارة مدير وكالة الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز، إلى ليبيا، ثم لقائه عقب ذلك بأيام الرئيس المصري في القاهرة.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، قال، إن بلينكن، سيجتمع خلال زيارته للقاهرة يومي 29 و30 يناير (كانون الثاني) الحالي، بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية سامح شكري، ومسؤولين مصريين رفيعي المستوى لتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين وتعزيز السلام والأمن بالمنطقة، بما في ذلك الدعم المشترك للانتخابات في ليبيا.
وأمام تباين آراء الليبيين بشأن الدور الذي تلعبه الدبلوماسية الأميركية في بلدهم، وخصوصاً بعد عملية تسليم ضابط الاستخبارات السابق أبو عجيلة مسعود؛ لمحاكمته بواشنطن بزعم تورطه في طائرة "لوكربي"، إلا أن هناك من يتوقع إحداث تغير في المشهد مع حلول مارس (آذار) المقبل، وهو الموعد المقرر لاجتماع مجلس الأمن الدولي بشأن ليبيا.
وسبق للولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، بالإضافة إلى المبعوث الأممي لدى ليبيا عبد الله باتيلي، التوعد بإنشاء "آلية بديلة" إذا لم يتوافق صالح والمشري، على حل معضلة "القاعدة الدستورية" اللازمة لإجراء الانتخابات.
وتحدث المشري، في حوار تلفزيوني، نهاية الأسبوع الماضي، عن أن صالح، تراجع عن "وثيقة التفاهمات" التي سبق وتوصلا إليها في اجتماعهما الأخير بالقاهرة، "ورفض التوقيع عليها"، ورأى المشري، أن صالح "تراجع تحت تأثير ضغوط من أطراف محلية وإقليمية"، دون تحديد هوية هذه الأطراف.
المشري، لم يُغلق الباب في وجه أي تفاوض جديد، كما يقول، مبدياً استعداده للقاء صالح، لكنه "اشترط توقيع أي اتفاق قادم بينهما"، وهو الشرط الذي يراه سياسيون بمثابة "وضع العصا في الدواليب"، وكفيل بتعطيل المسار، في ظل التباين الواضح بين ما يقال في اللقاءات الثنائية المغلقة، وبين ما يذاع في العلن أمام الأنصار والمؤيدين.
وكانت القاهرة استضافت اجتماعات للساسة الليبيين خلال الشهر الماضي؛ سعياً للتوافق فيما بينهم بشأن "المسار الدستوري" والحث على التهدئة. وجاء اللقاء الأول بين صالح والمشري، الذي أعلنا فيه ما اصطلحا على تسميته بـ"الوثيقة الدستورية"، أعقب ذلك زيارة مماثلة لمحمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، وقائد قوات "القيادة العامة" المشير خليفة حفتر، بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب.
وعلى الرغم من إشادة المشري، المحسوب على تنظيم "الإخوان" بما لمسه في القاهرة، من "حياد وعدم تدخل في المحادثات التي جرت مع صالح"، وفق قوله، إلا أن ذلك لم يمنع قطاعاً من الليبيين من استقبال نتيجة مثل هذه اللقاءات بشيء من "الحساسية المفرطة".
وللدفع في مسار الاستحقاق الليبي، التقى باتيلي، في الجزائر، الرئيس عبد المجيد تبون، الذي أكد على الحاجة إلى اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لتجاوز المأزق السياسي من خلال الانتخابات. ويبدو أن الموقف الجزائري منشغل بما يجري في ليبيا؛ إذ شدد تبون وفق ما نقله باتيلي عبر صفحته على "تويتر" على أهمية توفير الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات بنجاح، على أن تكون "شاملة وشفافة وآمنة".
تعليق